فصل: ذِكْرُ الآيَةِ الْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نواسخ القرآن



.ذِكْرُ الآيَةِ الْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}.

اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِإِتْمَامِهَا على خمسة أقوال:
أحدها: أَنْ يَحْرُمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أهله، قاله علي وسعيد ابن جبير وطاوس.
وَالثَّانِي: الْإِتْيَانُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِيهِمَا. قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَالثَّالِثُ: إِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنِ الْآخَرِ. قَالَهُ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ لا يَفْسَخَهُمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا، رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالْخَامِسُ: أَنْ يَخْرُجَ قَاصِدًا لَهُمَا لا يَقْصِدُ شَيْئًا آخَرَ مِنْ تجارة أوغيرها وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ بُعْدٌ. وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَائِلِهِ أنه يَزْعُمُ أَنَّ الْآيَةَ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ}.
وَالصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ فَسْخِهِمَا لِغَيْرِ عذر أو قصد صحيح، وليست هَذِهِ الْآيَةُ بِدَاخِلَةٍ فِي الْمَنْسُوخِ أَصْلا.

.ذِكْرُ الآيَةِ الْحَادِيَةَ وَالْعِشْرِينَ: قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}

ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذَا الْكَلامَ اقْتَضَى تَحْرِيمَ حَلْقِ الشَّعْرِ، سَوَاءٌ وُجِدَ بِهِ أَذًى أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَلَمْ يَزَلِ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب ابن عُجْرَةَ.وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِهِ، فقال: أتجد شاة فقال: لا. فَنَزَلَتْ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} وَالْمَعْنَى: فَحَلَقٌ فَفِدْيَةٌ. فَاقْتَضَى هَذَا الْكَلامُ إِبَاحَةَ حَلْقِ الشَّعْرِ عِنْدَ الأَذَى مَعَ الْفِدْيَةِ وَصَارَ نَاسِخًا لِتَحْرِيمِهِ الْمُتَقَدِّمِ.
قُلْتُ: وَفِي هَذَا بعد من وجهين:
أحدهما: أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ نُزُولَ قَوْلِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} تَأَخَّرَ عَنْ نُزُولِ أَوَّلِ الْآيَةِ وَلا يَثْبُتُ هَذَا. وَالظَّاهِرُ نُزُولُ الْآيَةِ فِي مَرَّةٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَتَجِدُ شَاةً» وَالشَّاةُ هِيَ النُّسُكُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ نُسُكٍ}.
وَالثَّانِي: إِنَّا لَوْ قَدَّرْنَا نُزُولَهُ مُتَأَخِّرًا فَلا يَكُونُ نَسْخًا، لِأَنَّهُ قَدْ بَانَ بِذِكْرِ الْعُذْرِ أَنَّ الْكَلامَ الأَوَّلَ لِمَنْ لا عُذْرَ لَهُ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ: وَلا تَحْلِقُوا رءوسكم إلا أن يكون منكم مريض أَوْ مَنْ يُؤْذِيهِ هَوَامُّهُ فَلا ناسخ ولا منسوخ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تعالى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ}:

اخْتَلَفُوا: هَلْ هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ أَمْ مُحْكَمَةٌ؟
رَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّهُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ لَمْ تَكُنْ زَكَاةً، وَإِنَّمَا هِيَ نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَالصَّدَقَةُ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا فَنَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ وَرَوَى عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نُسِخَتْ هَذِهِ بِآيَةِ الصَّدَقَاتِ فِي بَرَاءَةٍ.
وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نُسِخَ مِنْهَا الصَّدَقَةُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَصَارَتِ الصَّدَقَةُ لِغَيْرِهِمُ الَّذِينَ لا يَرِثُونَ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَالأَقْرَبِينَ وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالْمُرَادُ بِهَا التَّطَوُّعُ عَلَى مَنْ لا يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ الزَّكَاةَ، كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ هِيَ فِي النَّوَافِلِ وهم أحق بفضلك.
قُلْتُ: مَنْ قَالَ بِنَسْخِهَا ادَّعَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنْفِقُوا فَسَأَلُوا عَنْ وُجُوهِ الْإِنْفَاقِ فَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ فَحُكْمُهَا ثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، لِأَنَّ مَا يَجِبُ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لَمْ يُنْسَخْ بِالزَّكَاةِ، وَمَا يُتَطَوَّعُ بِهِ لَمْ يُنْسَخْ بِالزَّكَاةِ وَقَدْ قَامَتِ الدِّلالَةُ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لا تُصْرَفُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ بِالتَّطَوُّعِ أَشْبَهُ، لِأَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُمْ طَلَبُوا بَيَانَ الْفَضْلِ فِي إِخْرَاجِ الفضل فبينت لهم وجوه الْفَضْلِ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ}.

اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هي منسوخة أومحكمة؟
فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الْقِتَالِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ خُوطِبُوا بِهَا، وَكُتِبَ بِمَعْنَى فُرِضَ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ سألت عطاء، أَوَاجِبٌ الْغَزْوُ عَلَى النَّاسِ مِنْ أجل هذه الآية؟ فقال: لا، إِنَّمَا كُتِبَ عَلَى أُولَئِكَ حينئذٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ سَأَلْتُ مُجَاهِدًا هَلِ الْغَزْوُ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ؟ فَقَالَ: لا. إِنَّمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ يومئذٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ فِي نَاسِخِهَا عَلَى قولين:
أحدهما: أَنَّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} قاله عكرمة.
والثاني: قَوْلُهُ: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمَنْسُوخَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجِهَادَ كَانَ عَلَى ئلاث طَبَقَاتٍ:
الأُولَى: الْمَنْعُ مِنَ الْقِتَالِ، وَذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} فنسخت بهذه الْآيَةِ وَوَجَبَ بِهَا التَّعَيُّنُ عَلَى الْكُلِّ، وَسَاعَدَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} ثُمَّ اسْتَقَرَّ الأَمْرُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَامَ بِالْجِهَادِ قَوْمٌ سَقَطَ عَلَى الْبَاقِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ}.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} مُحْكَمٌ وَأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ لازِمٌ لِلْكُلِّ، إِلا أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، إِذَا قَامَ بِهِ قَوْمٌ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ فَلا وَجْهَ للنسخ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}

سَبُبُ سُؤَالِهِمْ عَنْ هَذَا، أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَقَتَلُوا عَمْرَو ابن الحضرمي فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ فَعَيَّرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَهِيَ تَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، لِقَوْلِهِ: {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لا يَحِلُّ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَظَّمَ الْعُقُوبَةَ وَهَذَا إِقْرَارٌ لَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ الْقِتَالَ في الأشهر الحرم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الأبنوسي، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عمر الرزاز، قال: أبنا بن شاهين، قال: بنا يحيى بن محمد بن صاعد، قال: بنا مُحَمَّدُ بْنُ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: بنا ابن عون، قال: قَالَ: أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: كَانَ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قَالُوا: قَدْ جَاءَ مُنْصِلُ الأَسِنَّةِ فَيَعْمِدُ أَحَدُهُمْ إِلَى سِنَانِ رُمْحِهِ فَيَخْلَعُهُ وَيَدْفَعُهُ إِلَى النِّسَاءِ، فَيَقُولُ: أشدُن هَذَا فِي عِكُومِكُنَّ فَلَوْ مَرَّ أَحَدُنَا عَلَى قَاتِلِ أَبِيهِ لَمْ يُوقِظْهُ.
قُلْتُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذَا التَّحْرِيمُ بَاقٍ أَمْ نُسِخَ؟
وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قالت بنا الكاذي قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي قال بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} ما لهم إذ ذاك لا يحل لهم أن يغزو أَهْلَ الشِّرْكِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ثُمَّ غَزَوْهُمْ فِيهِ بَعْدُ فَحَلَفَ لِي بِاللَّهِ، مَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ الآن أن يغزو فِي الْحَرَمِ وَلا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلا أَنْ يُقَاتَلُوا فِيهِ أو يغزو وما نُسِخَتْ.
وَرَوَى عَبْدُ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي قَوْلِهِ: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الأَمْصَارِ إِنَّ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ جَائِزٌ فإدن هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَقَوْلُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخر}.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ الْبَقَّالُ قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ قَالَ: أَبْنَا إسحاق الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي قال: بنا عبد الرازق عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَّنَا يُحَرِّمُ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ثُمَّ أُحِلَّ له بعد.

.ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهَا تَضَمَّنَتْ ذَمَّ الْخَمْرِ لا تَحْرِيمَهَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَضَمَّنَتْ تَحْرِيمَهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} فَيَتَجَاذَبُهُ أَرْبَابُ الْقَوْلَيْنِ، فَأَمَّا أَصْحَابُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إِثْمُهُمَا بَعْدُ التَّحْرِيمِ أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا قبله.
وَقَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الثَّانِي: إِثْمُهُمَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا حينئذٍ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِثْمَ الْحَادِثَ عَنْ شُرْبِهَا مِنْ تَرْكِ الصَّلاةِ وَالْإِفْسَادِ الْوَاقِعِ عَنِ السُّكْرِ لا يُوَازِي مَنْفَعَتَهَا الْحَاصِلَةَ مِنْ لَذَّةٍ أَوْ بَيْعٍ وَلَمَّا كَانَ الأَمْرُ محتملاً للتأويل، قال عمربن الْخَطَّابِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: اللَّهُمَّ بَيِّنَ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، وَعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ يتوجه النسخ بقوله تعالى فا جتبوه.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}

فالمراد بهذا الإنفاق ثلاثة أأقوال:
أحدها: أَنَّهُ الصَّدَقَةُ وَالْعَفْوُ مَا يَفْضُلُ عَنِ الْإِنْسَانِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونُ وَأَبُو طَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قل العفوا قَالَ مَا أَتَوْكَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَاقْبَلْهُ منهم لم يفرض فِيهِ فَرِيضَةً مَعْلُومَةً، ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَرَائِضُ مُسَمَّاةً، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمُّويَةَ، قَالَ: أَبْنَا إبراهيم بن خريم، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: بنا شَبَابَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْعَفْوُ: الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الزَّكَاةِ أَنْ يُنْفِقُوا مَا يَفْضُلُ عنهم، فكان أهل المكاسب يَأْخُذُونَ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْ نَصِيبِهِمْ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِالْبَاقِي، وَأَهْلُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَأْخُذُونَ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمْ في تجار تهم وَيَتَصَدَّقُونَ بِالْبَاقِي، ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا نَفَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَرَغَّبَهُمْ بِهَا قَالُوا: مَاذَا نُنْفِقُ؟ وَعَلَى مَنْ نُنْفِقُ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حيان في قوله: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} قَالَ: هِيَ النَّفَقَةُ فِي التَّطَوُّعِ، فَكَانَ الرَّجُلُ يُمْسِكُ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيهِ سَنَةً وَيَتَصَدَّقُ بِسَائِرِهِ، وإن كان ممن يعمل بيديه أَمْسَكَ مَا يَكْفِيهِ يَوْمًا وَيَتَصَدَّقُ بِسَائِرِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَقْلِ وَالزَّرْعِ أَمْسَكَ مَا يَكْفِيهِ سنة وتصدق بِسَائِرِهِ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَنَسَخَتْهَا آيَةُ الزَّكَاةِ.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، مَعْنَى قَوْلِهِ: اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَيْ: صَعُبَ ما ألزموا نفوسهم به، فإن قلنا إن هَذِهِ النَّفَقَةُ نَافِلَةٌ أَوْ هِيَ الزكاة فَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا نَفَقَةٌ فُرِضَتْ قَبْلَ الزَّكَاةِ فَهِيَ منسوخة بآية الزكاة والأظهر أنها في الإنفاق في المندوب إليه.

.ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنّ}.

اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالْمُشْرِكَاتِ هاهنا على قولين:
أحدهما: أَنَّهُنَّ الْوَثَنِيَّاتُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَبِيبٍ الْعَامِرِيُّ قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا قبيصة عن سفيان عن حماد، قال: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ تَزْوِيجِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، قَالَ: لا بَأْسَ بِهِ فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنّ} ؟ قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ الْمَجُوسِيَّاتُ وَأَهْلُ الأَوْثَانِ.
قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ قَتَادَةَ {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنّ} قَالَ: الْمُشْرِكَاتُ الْعَرَبُ اللاتِي لَيْسَ لهن كتاب يقرأنه قال سعيدبن جُبَيْرٍ: هُنَّ الْمَجُوسِيَّاتُ وَعَابِدَاتُ الأَوْثَانِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْكِتَابِيَّاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ الْكَافِرَاتِ، فَالْكُلُّ مُشْرِكَاتٌ، وَافْتَرَقَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى قولين:
أحدهما أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْآيَةِ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.
فَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قال: أبنا إسحق الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَبْنَا إِبْرَاهِيمُ بن إسحق الطالقاني، قال بنا ابْنُ مُبَارَكٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنّ} ثُمَّ أُحِلَّ نِكَاحُ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَمْ يُنْسَخْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ ذَلِكَ فَنِكَاحُ كُلِّ مُشْرِكٍ سِوَى نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرَامٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} لَفْظٌ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْكِتَابِيَّاتُ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ وَهَذَا تَخْصِيصٌ لا نَسْخٌ. وَعَلَى هَذَا الْفُقَهَاءُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَيْسُوا مُشْرِكِينَ، وَهَذَا فاسد، لأنهم قالوا عزير بن الله والمسيح بن الله فهم بذلك مشركون.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً}.

تَوَهَّمَ قَوْمٌ قَلَّ عِلْمُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، فَقَالُوا: هِيَ تَقْتَضِي مُجَانَبَةَ الْحَائِضِ عَلَى الْإِطْلاقِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْيَهُودُ، ثُمَّ نُسِخَتْ بالسنة، وهو ماروي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَبَاحَ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْحَائِضِ إِلا النِّكَاحَ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمْتِعُ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْإِزَارِ. وَهَذَا ظَنٌّ مِنْهُمْ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لا خِلافَ بين الآية والأحاديث.
قال أحمد بن حنبل: المحيض مَوْضِعُ الدَّمِ وَيُوَضِّحُ هَذَا التَّعْلِيلُ لِلنَّهْيِ بِأَنَّهُ أَذًى فَخَصَّ الْمَنْعُ مَكَانَ الأَذَى ثُمَّ لَوْ كَانَتِ الأَحَادِيثُ تُضَادُّ الْآيَةِ قُدِّمَتِ الْآيَةُ، لِمَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ النَّاسِخَ يَنْبَغِي مِنْ أَنْ يُشَابِهَ الْمَنْسُوخَ فِي قُوَّتِهِ والقرآن أقوى من السنة.

.ذِكْرُ الآيَةِ التَّاسِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}.

قَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُدَمَاءِ إِلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْسُوخًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَنْسُوخِ منها على قولين:
أحدهما: أَنَّهُ قَوْلُهُ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}.
قالوا: فكان يجب عَلَى كُلِّ مُطَلَّقَةٍ أَنْ تَعْتَدَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ الْحَامِلِ بِقَوْلِهِ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. وَنُسِخَ حُكْمُ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ} وَنُسِخَ حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِقَوْلِهِ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}.
وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةَ إِلا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ اسْتَثْنَى وَلَفْظُ قتادة نسخ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ الْكَاذِيُّ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: بنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} قَالَ: فَجُعِلَ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثُ حِيَضٍ، ثُمَّ نُسِخَ مِنْهَا الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا فَقَالَ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فَهَذِهِ لَيْسَ لَهَا عِدَّةٌ، وَقَدْ نُسِخَ مِنَ الثَّلاثَةِ قُرُوءٍ، امْرَأَتَانِ، فَقَالَ: {وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} فَهَذِهِ الْعَجُوزُ الَّتِي لا تَحِيضُ عِدَّتُهَا ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، وَنُسِخَ مِنَ الثَّلاثَةِ قُرُوءٍ الْحَامِلُ فَقَالَ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ مُحْكَمٌ وَإِنَّمَا الْمَنْسُوخُ مِنْهَا قَوْلُهُ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}.
قَالُوا: فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ ارْتَجَعَ،، سَوَاءً كَانَ الطَلاقُ ثَلاثًا أَوْ دُونَ ذَلِكَ فَنُسِخَ هَذَا بِقَوْلِهِ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}.
وَاعْلَمْ: أَنَّ الْقَوْلَ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّهَا مُحْكَمَةٌ، لِأَنَّ أَوَّلَهَا عَامٌّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ، وَمَا وَرَدَ فِي الْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ فَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعُمُومِ وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ النسخ. وأما الارتجاع فإن الرجعية زوجة، ولهذا قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ} ثُمَّ بَيَّنَ الطَّلاقَ الَّذِي يَجُوزُ مِنْهُ الرَّجْعَةُ، فَقَالَ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} إلى قوله {فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني: الثلاثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}.

قَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يُطَلِّقُ مَا شَاءَ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمّد، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلاثًا فَنَسَخَ اللَّهُ ذلك، فقال: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} الآية.
وروى سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} قَالَ: فَنَسَخَ هَذَا مَا كَانَ قَبْلَهُ وَجَعَلَ اللَّهُ حَدَّ الطَّلاقِ ثلاثاً.
قلت: وَهَذَا يَجُوزُ فِي الْكَلامِ يُرِيدُونَ بِهِ تَغْيِيرَ تِلْكَ الْحَالِ وَإِلا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا لا يُقَالُ فِيهِ نَاسِخٌ وَلا مَنْسُوخٌ وَإِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ شَرْعٍ وَإِبْطَالٌ لِحُكْمِ العادة.
وَزَعَمَ آخَرُونَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا اقْتَضَتْ إِبَاحَةَ الطَّلاقِ عَلَى الْإِطْلاقِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ زَمَانٍ، نزل قوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ} أَيْ: مِنْ قَبْلِ عِدَّتِهِنَّ وَذَلِكَ أَنْ تُطَلَّقَ الْمَرْأَةُ فِي زَمَانِ طهرها لتستقبل الاعتداد بِالْحَيْضِ.
وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لا يَفْهَمُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ الطَّلاقُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَبُيِّنَ فِي الأُخْرَى كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُوقَعَ. ثُمَّ إِنَّ الطَّلاقَ وَاقِعٌ، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي زَمَانِ الْحَيْضِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تَعْلِيمُ أَدَبٍ وَالصَّحِيحُ أن الآية محكمة.

.ذِكْرُ الآيَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.

هَذِهِ الْآيَةُ مُبَيِّنَةٌ لِحُكْمِ الْخُلْعِ وَلا تَكَادُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلا بَعْدَ فَسَادِ الْحَالِ، وَلِذَلِكَ عَلَّقَ الْقُرْآنُ جَوَازَهُ مَخَافَةَ تَرْكِهِمَا الْقِيَامَ بِالْحُدُودِ، وَهَذَا أَمْرٌ ثَابِتٌ وَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
إِلا أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَنَا إسماعيل ابن أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أبنا إسحاق ابن أحمد الكاذي، قال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، قَالَ: بنا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ، قَالَ: سألت بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ سَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ الْخُلْعَ؟ فَقَالَ: لا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا، قُلْتُ لَهُ: يَقُولُ الله عز وجل: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} الْآيَةَ؟ قَالَ: نُسِخَتْ، قُلْتُ: فَأَيْنَ جُعِلَتْ؟ قَالَ: فِي سُورَةِ النِّسَاءِ {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً}.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ مِنْ وجهين:
أحدهما: أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ وَيَكْرَهُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا مَا فُرِضَ لَهَا مِنَ الْمَهْرِ فَلا يَزَالُ يَتْبَعُهَا بِالأَذَى حَتَّى تَرُدَّ عَلَيْهِ مَا أَعْطَاهَا لِتَخْلُصَ مِنْهُ. فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا آيَةُ الْخُلْعِ فَلا تَعَلُّقَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذلك.
وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} إِذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ، وَأَرَادَ اسْتِبْدَالَ غَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ: {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} إِذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا فَلا وَجْهَ لِلنَّسْخِ.
وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَسْخًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: قَوْلُهُ {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} منسوخ بالاستثناء وهوقوله: {إِلاّ أَنْ يَخَافَا}.
قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ أَرْذَلِ الأَقْوَالِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ اللَّفْظُ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}.

عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَلامَ مُحْكَمٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْقُرَّاءِ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بقوله: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً} قَالُوا فَنُسِخَ تَمَامُ الْحَوْلَيْنِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، فَلَمَّا قَالَ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً} خَيَّرَ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ فَلا تَعَارُضَ.
وفي الآية موضع آخروهو قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}.
اخْتَلَفُوا فِي الْوَارِثِ:
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَارِثُ الْمَوْلُودِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَارِثُ الْوَالِدِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ، الْبَاقِي مِنْ وَالِدَيِ الْوَلَدِ بَعْدَ وَفَاةِ الْآخَرِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ الصَّبِيُّ نَفْسُهُ، عَلَيْهِ لِأُمِّهِ مِثْلُ مَا كَانَ عَلَى أَبِيهِ لَهَا مِنَ الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ.
وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الْوَارِثِ أَنْ لا يُضَارَّ.
وَاعْلَمْ: أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْوَارِثُ الصَّبِيُّ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ لا يُنَافِي قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ وَارِثُ الصَّبِيِّ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ إِذَا ثَبَتَ إِعْسَارُ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لا يَلْزَمُ الرَّجُلَ نَفَقَةُ أَخٍ وَلا ذِي قَرَابَةٍ، وَلا ذِي رَحِمٍ مِنْهُ. قَالَ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} مَنْسُوخٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَالِكٌ مَا الناسخ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لما أوجب الله عز وجل للمتوفى عنها زوجها من مال الْمُتَوَفِّي نَفَقَةَ حَوْلٍ وَالسُّكْنَى ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ وَرَفَعَهُ نَسَخَ ذَلِكَ أيضاً عن الوا رث.

.ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ مَكَثَتْ زَوْجَتُهُ فِي بَيْتِهِ حَوْلا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مِيرَاثِهِ فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ خَرَجَتْ إِلَى بَابِ بَيْتِهَا وَمَعَهَا بعرة فرمت بها كلباً، وخرجت بِذَلِكَ مِنْ عِدَّتِهَا وَكَانَ مَعْنَى رميها بِالْبَعْرَةِ: أَنَّهَا تَقُولُ مُكْثِي بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِي أَهْوَنُ عِنْدِي مِنْ هَذِهِ الْبَعْرَةِ. ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلامُ فأقرهم على ما كانوا عَلَيْهِ مِنْ مُكْثِ الْحَوْلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ. وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} وَنُسِخَ الأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ لَهَا بِمَا فَرَضَ لَهَا مِنْ مِيرَاثِهِ وَهَذَا مجموع قول الجماعة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو الْفَضْلِ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ: قَالَ، أَبْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ، فال: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: بنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} فكان للمتوفي زوجها نفقتها وسكناها فِي الدَّارِ سَنَةً فَنَسَخَهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ فَجُعِلَ لَهُنَّ الرُّبُعُ وَالثُّمُنُ مِمَّا تَرَكَ الزَّوْجُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ {مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ} فَنَسَخَتْهَا {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} فَنَسَخَتْ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ النَّفَقَةِ فِي الْحَوْلِ وَنَسَخَتِ الْفَرِيضَةُ الثُّمُنُ وَالرُّبُعُ مَا كَانَ قبلها من نققة فِي الْحَوْلِ.
قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيُّ، قَالَ بنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}.
قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عطاء {وصية لأزواجهم} قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُعْطَى سُكْنَى سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَنَسَخَتْهَا {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعشراً}.
وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ.
قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ} قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى والنفقة حولاً من ماله مالم تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}.

.ذِكْرُ الآيَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذَا الْقَدَرُ من الآية محكم أومنسوخ.
فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ مُحْكَمٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ إِحْكَامِهِ على قولين:
أحدهما: أَنَّهُ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَأَنَّهُ خُصَّ مِنْهُ أَهْلُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لا يُكْرَهُونَ عَلَى الْإِسْلامِ بَلْ يُخَيَّرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ.
وَكَانَ السَّبَبُ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قال: أبنا إسحق الْكَاذِيُّ، قَالَ: أَبْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، قال: بنا علي بن عاصم قال: بنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الأَنْصَارِ إِذَا كَانَتْ لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ تُدْعَى الْمُقْلاةُ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ نَذَرَتْ إِنْ هِيَ أَعَاشَتْ وَلَدًا تَصْبُغْهُ يَهُودِيًّا، فَأَدْرَكَ الْإِسْلامَ طَوَائِفٌ مِنْ أَوْلادِ الأَنْصَارِ - وَهُمْ كَذَلِكَ - فَقَالُوا إِنَّمَا صَبَغْنَاهُمْ يَهُودًا وَنَحْنُ نَرَى أن الْيَهُودَ خَيْرٌ مِنَ عُبَّادِ الأَوْثَانِ. فَإِمَّا إِذْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلامِ فَإِنَّا نُكْرِهُهُمْ عَلَى الْإِسْلامِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
قال أحمد، وحدثنا حسن، قال: بنا أبو هلال، قال بنا دَاوُدُ، قَالَ: قَالَ عَامِرٌ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} كَانَتْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِقْلاةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فَكَانَتْ تُنْذِرُ اللَّهَ عَلَيْهَا، إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُسَلِّمَنَّهُ فِي خَيْرِ دِينٍ تَعْلَمُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ دِينٌ أَفْضَلَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ فَتُسَلِّمُهُ فِي الْيَهُودِيَّةِ فَلَمَّا جاء الله بالإسلام قالوا: يانبي اللَّهِ كُنَّا لا نَعْلَمُ أَوْ لا نَرَى أَنَّ دِينًا أَفْضَلَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بالإسلام نرتجعهم، فأنزل الله عز وجل {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} لا تُكْرِهُوهُمْ وَلا تَرْتَجِعُوهُمْ.
قَالَ أحمد: وبنا وكيع، قال: بنا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مُسْتَرْضَعُونَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَرَادُوا أَنْ يُكْرِهُوهُمْ عَلَى الْإِسْلامِ فَنَزَلَتْ: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أبنا ابن جبرون، وَأَبُو ظَاهِرٍ الْبَاقِلاوِيُّ، قَالا: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ كامل قال بنا محمد ابن سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قَالَ: وَذَلِكَ لَمَّا دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلامِ وَأَعْطَى أَهْلُ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ليس الدين ما يدين بِهِ فِي الظَّاهِرِ عَلَى جِهَةِ الإِكْرَاهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ القلب وينطوي عليه الضمائر، إنما الدِّينُ هُوَ الْمُعْتَقَدُ بِالْقَلْبِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الأَنْبَارِيِّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ وَابْنِ زَيْدٍ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو داود قال: بنا جعفر بن محمد قال: بنا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ قَالَ: بنا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ فَأَسْنَدَهُ إِلَى مَنْ فَوْقَهُ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قَالَ نُسِخَ وَأُمِرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الكتاب في براءة.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا حمر بن نوح، قال بنا أبو معاذ قال: بنا أَبُو مُصْلِحٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَذَكَرَ الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: هَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} نسختها: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}.

.ذِكْرُ الآيَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلاثِينَ: قَوْلُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}.

هَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ الأَمْرَ بِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ فِي كِتَابٍ وَإِثْبَاتِ الشَّهَادَةِ فِي الْبَيْعِ وَالدَّيْنِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذَا أَمْرُ وُجُوبٍ أَمِ اسْتِحْبَابٍ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ، قَالَ: أَبْنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أبنا أبو حفص عمر وابن علي قال: بنا معتمر بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنِ الرَّجُلِ يَبِيعُ وَلا يَشْهَدُ فَقَالَ: أَلَيْسَ قد قال الله عز وجل: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زريع قال: بنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إِنْ شَاءَ أَشْهَد.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو طَالِبِ بْنُ غَيْلانَ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَيْمُونَ، قَالَ: بنا موسى بن مسعود، قال: بنا الثَّوْرِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إِنْ شَاءَ أَشْهَدَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُشْهِدْ ثُمَّ قَرَأَ {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ وَالْإِشْهَادَ وَاجِبَانِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالضَّحَّاكِ وَأَبِي قِلابَةَ وَالْحَكَمِ وَابْنِ زَيْدٍ فِي آخَرِينَ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ هَلْ نُسِخَ أَمْ لا؟
فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ إلى أنه لم ينسخ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ إِلَى أَنَّهُ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ: أَبْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ المظفر، قال: بنا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بن علي قال: بنا محمد بن مروان، قال: بنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أنه قرأ هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} حتى بلغ {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} قَالَ: هَذِهِ نَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَبْنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَبْنَا ابْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَبْنَا إِسْحَاقُ الْكَاذِيُّ، قَالَ: بنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: بنا عفان، قال: بنا عبد الوارث.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، قال: بنا أحمد بن أحمد، قال: بنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، قَالَ: أَبْنَا أحمد بن إسحاق قال: بنا أبو يحيى الرازي، قال: بنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: بنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ بنا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ كِلاهُمَا عَنْ يؤنس عَنِ الْحَسَنِ {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}.
قُلْتُ: وَهَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ، لِأَنَّ النَّاسِخَ يُنَافِي الْمَنْسُوخَ وَلَمْ يَقُلْ هَهُنَا فَلا تَكْتُبُوا، وَلا تُشْهِدُوا، وَإِنَّمَا بَيَّنَ التَّسْهِيلِ فِي ذَلِكَ ولو كان مِثْلَ هَذَا نَاسِخًا لَكَانَ قَوْلُهُ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} نَاسِخًا لِلْوُضُوءِ بِالْمَاءِ، وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} ناسخاً قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ هَهُنَا نَسْخٌ وَأَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ.
وَقَدِ اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَرَسَ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ خزيمة بلا إشهاد.
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ قريش، قال: أبنا أبو إسحق الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَبْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَبْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قال: بنا محمد بن بشار، قال: بنا محمد، قال: بنا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ: ثَلاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ....
أَحَدُهُمْ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فلم يشهد عليه.